سورة التوبة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)}
قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} كيف هنا للتعجب، كما تقول: كيف يسبقني فلان أي لا ينبغي أن يسبقني. و{عَهْدٌ} اسم يكون.
وفي الآية إضمار، أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر، كما قال:
وخبرتماني إنما الموت بالقرى *** فكيف وهاتا هضبة وكثيب
التقدير: فكيف مات، عن الزجاج.
وقيل: المعنى كيف يكون للمشركين عهد عند الله يأمنون به عذابه غدا، وكيف يكون لهم عند رسوله عهد يأمنون به عذاب الدنيا. ثم استثنى فقال: {إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}. قال محمد بن إسحاق: هم بنو بكر، أي ليس العهد إلا لهؤلاء الذين لم ينقضوا ولم ينكثوا. قوله تعالى: {فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} أي فما أقاموا على الوفاء بعهد كم فأقيموا لهم على مثل ذلك. ابن زيد: فلم يستقيموا فضرب لهم أجلا أربعة أشهر. فأما من لا عهد له فقاتلوه حيث وجدتموه إلا أن يتوب.


{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8)}
قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} أعاد التعجب من أن يكون لهم عهد مع خبث أعمالهم، أي كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة. يقال: ظهرت على فلان أي غلبته، وظهرت البيت علوته، ومنه {فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] أي يعلوا عليه.
قوله تعالى: {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} {يَرْقُبُوا} يحافظوا. والرقيب الحافظ. وقد تقدم. {إِلًّا} عهدا، عن مجاهد وابن زيد. وعن مجاهد أيضا: هو اسم من أسماء الله عز وجل. ابن عباس والضحاك: قرابة. الحسن: جوارا. قتادة: حلفا، و{ذِمَّةً} عهدا. أبو عبيدة: يمينا. وعنه أيضا: إلا العهد، والذمة التذمم. الأزهري: اسم الله بالعبرانية، وأصله من الأليل وهو البريق، يقال أل لونه يول ألا، أي صفا ولمع.
وقيل: أصله من الحدة، ومنه الآلة للحربة، ومنه أذن مؤللة أي محددة. ومنه قول طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والانتصاب:
مؤللتان تعرف العتق فيهما *** كسامعتي شاة بحومل مفرد
فإذا قيل للعهد والجوار والقرابة إل فمعناه أن الاذن تصرف إلى تلك الجهة، أي تحدد لها. والعهد يسمى إلا لصفائه وظهوره. ويجمع في القلة الآل.
وفي الكثرة إلال.
وقال الجوهري وغيره: الال بالكسر هو الله عز وجل، والال أيضا العهد والقرابة. قال حسان:
لعمرك إن إلّك من قريش *** كإلّ السقب من رأل النعام
قوله تعالى: {وَلا ذِمَّةً} أي عهدا. وهي كل حرمة يلزمك إذا ضيعتها ذنب. قال ابن عباس والضحاك وابن زيد: الذمة العهد. ومن جعل الال العهد فالتكرير لاختلاف اللفظين.
وقال أبو عبيدة معمر: الذمة التذمم.
وقال أبو عبيد: الذمة الأمان في قوله عليه السلام: «ويسعى بذمتهم أدناهم». وجمع ذمة ذمم. وبئر ذمة بفتح الذال قليلة الماء، وجمعها ذمام. قال ذو الرمة:
على حمير يأت كأن عيونها *** ذمام الركايا أنكزتها المواتح
أنكزتها أذهبت ماءها. وأهل الذمة أهل العقد. قوله تعالى: {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ} أي يقولون بألسنتهم ما يرضي ظاهره. {وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ} أي ناقضون العهد. وكل كافر فاسق، ولكنه أراد ها هنا المجاهرين بالقبائح ونقض العهد.


{اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9)}
يعني المشركين في نقضهم العهود بأكلة أطعمهم إياها أبو سفيان، قاله مجاهد.
وقيل: إنهم استبدلوا بالقرآن متاع الدنيا. {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} أي أعرضوا، من الصدود. أو منعوا عن سبيل الله، من الصد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8